كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال تعالى: {ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية 8 من سورة الحشر الآتية وكذلك لا يجوز زواج العبدة على الحرة، وزواج الأمة للقادر على زواج الحرة كما سيأتي.
وأحل لكم {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ} نكاح الحرائر بالصداق والعقد، والسراري بالشراء قليلا كان ثمنهن أو كثيرا لإطلاق لفظ أموالكم من غير تقدير ولا قيد ولا تخصيص {مُحْصِنِينَ} أنفسكم بالزواج {غَيْرَ مُسافِحِينَ} وسمي الزنى سفاحا لأن الزاني لا غرض له إلا صب الماء أي سفحه في فرج المرأة.
قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ} المستمتعات {أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} من زيادة في المهر والأجل أو نقص فيهما أو زيادة في أحدهما ونقص في الآخر أو بالعكس {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا} بالأشياء قبل خلقها وبحاجة البشر قبل علمهم بها ولم يزل كذلك {حَكِيمًا (24)} فيما أباحه لكم فلا يدخل في حكمه خلل ولا زلل.
واعلم أن نكاح المتعة هو عقد رجل زواجه على امرأة برضاها على قدر معلوم من الصداق وأجل معروف مبرم مثلا من يوم كذا إلى كذا وعلى درهم فما فوق، خالية من زوج وعدة وحيض ونفاس، فإذا انقضى الأجل بانت بلا طلاق، لأن انقضاء الأجل بحقها بمثابة طلاقها لأنه عقد عليه.
وليس لها أن أن تستمتع بغيره إلا بعد أن تستبرئ رحمها بحيضة واحدة على الأقل، ولا توارث بينهما ولا نفقة لها ولا متعة، لأن العقد جرى على شيء معلوم.
وفي هذه الأمور السبعة خالفت النكاح لانه لا يكون موقتا ولا تبين إلا بالطلاق البائن، ولا تحل بعده إلا بعد ثلاثة قروء ولها عليه النفقة إذا تركها، والمتعة إذا طلقها، وترث منه إذا مات، وعليها عدة الوفاة.
وكانت المتعة في بداية الإسلام ثم حرمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالحديث الذي رواه مسلم عن مسبرة بن سعد الجهني قال إنه كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، واللّه قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كانت عنده منهن فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
وروى البخاري ومسلم عن علي كرم اللّه وجهه قال: نهى رسول اللّه عن متعة النساء، يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية الإنسية.
هذا وقد قال من يرى نسخ القرآن بالسنة قال إن هذه الآية منسوخة في هذين الحديثين الصحيحين، ومن قال أن السنة لا تنسخ القرآن وهو الصحيح قال إنها منسوخة بقوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} الآية 7 من سورة المؤمنين ج2، وقد يوجّه هذا القول لو كانت هذه الآية متقدمة في النزول على آية المؤمنين لأن المؤخر ينسخ المقدم أي يرفع حكمه لا تلاوته، ولكنها مقدمة عليها والمقدم لا ينسخ المؤخر قولا واحدا، وكذلك نظيرتها آية [المعارج 31] مقدمة على هذه الآية بالنزول وهما مكيتان وهذه مدنية والمكي لا أحكام فيه ما عدا التوحيد والبعث والرسالة، وقد ذكرنا غير مرة أن السنة لا تنسخ القرآن راجع الآية 107 من البقرة المارة، ولهذا كان ابن عباس رضي اللّه عنه يرخص بالمتعة ويقول إن الآية محكمة ولم يزل يفتي بها إلى زمن ابن الزبير ولم يثبت أنه انتهى عن الإفتاء بجوازها حينما نهاه علي كرم اللّه وجهه وقال له إنك رجل تائه، أخرج ابن الزبير عن عروة أن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنه قامه بمكة حين خلف عليها بعد وفاة علي كرم اللّه وجهه والحسين رضي اللّه عنه، فقال: إن أناسا أعمى اللّه قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل يعني ابن عباس كما قال النووي، فناداه فقال إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال ابن الزبير فجرّب نفسك فو اللّه لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.
وقال بعضهم إن ابن عباس إنما أباح المتعة، حالة الاضطرار وخوف العنت في الأسفار، فقد روي عن ابن جبير قال قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء قال وما قالوا؟
قلت قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ** يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسة ** تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال سبحان اللّه ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير ولا تحل إلّا لمضطر، ولولا هذه الأحاديث والأخبار لأمكن تفسير الآية بغير معنى المتعة المذكورة، لما جاء في تفسير ابن عباس {فما استنفعتم} وفي النسفي فما نكحتموه منهن، وفي البيضاوي فما تمتعتم به من المنكوحات، وفي الخازن ما تلذذتم به من الجماع، وكل هذه الألفاظ تفسيرية لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ} فلا مانع إذا بتفسيرها بتزوجتم أو نكحتم، ولا مانع من تفسير أجورهن بمهورهن، فيرتفع معنى الاستمتاع الذي يريده الغير، وعليه يمكن أن يقال فما استمتعتم به منهن أي فيما نكحتموهن وجامعتموهن من النساء فآتوهن أجورهن أي مهورهن، لأن المهر أجر البضع، وقد عبر عنه في مواضع كثيرة بمعنى المهر في القرآن العظيم كما مر أول هذه السورة، وفي الآية 11 من سورة الممتحنة، والآية 50 من سورة الأحزاب المارتين، وكما سيأتي بعد في الآية 6 من المائدة و25 منها، فإنه عبّر فيهن عن المهر بالأجر وهو الأحسن والأليق والأرجح.
أو يقال إن هذه الآية عبارة عن إخبار اللّه تعالى بما أمر به رسول أمته ما هو موافق لأزله لأنه لا ينطق عن هوى وليست من قبيل الأمر حتى تتضارب فيها الآراء ويصار إلى القول بنسخها او عدمه، ومن المعلوم أن الأخبار لا يدخلها النسخ، فأحسن القول بالمتعة إنها ثبتت بالسنة ونسخت بها لا أنها ثبتت بالقرآن ونسخته بالسنة، تدبر قوله تعالى: {فَرِيضَةً} أي كجملة المهور المفروضة ومعنى {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} أي في الحط من المهر أو زيادته أو هبته بعد العقد وقبله لأن هذا كله جائز شرعا إذا اتفق عليه الطرفان.
قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} سعة وسمى الغنى طولا لأنه ينال به المراد غالبا {أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ} لعدم قدرته على ما يحتاج لهن من مهور زائدة ونفقات طائلة {فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} اي ليأخذ من الجواري والإماء المعبّر عنهن بقوله عز قوله: {مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ} المملوكات لأنهن لا يحتجن إلى كثير كلفة من مهر ونفقة، ولان معاشرتهن لا تحتاج إلى ما تتطلب له معاشرة الحرائر، كما أن معاشهن يسير بالنسبة لهن وربما يقنعن بما يكفيهن.
وفي هذه الآية دليل على أن الزواج بالأمة متوقف على شرطين: عدم القدرة على مهر الحرة وكفايتها وخوف العنت على نفسه، كما سيأتي ذكره بعد.
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ} أي بتفاضله.
وفي هذه الجملة تأنيس بنكاح الإماء وإزالة الاستنكاف منه واعلام بعدم أرجحية الإيمان فيما بين الناس أحرارهم وإمائهم من حيث الظاهر، ولربما كان إيمان الإماء أقوى من الحرائر وبالعكس، وإيمان المرأة أرجح من إيمان الرجل وبالعكس.
وتشير إلى أن التفضيل عند اللّه باعتبار الإيمان لا بالنسب والحسب.
وفي قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} تنبيه إلى التساوي بالنسب القديم لأن العبيد والأحرار أصلهم من آدم وحواء على السواء قال:
الناس بحسب التمثال أكفاء ** أبوهم آدم والأم حواء

فمناط التفاخر أيها الناس بالإيمان، وملاك الفضل بالتقوى، وقوام الأعمال بالأدب، وجماع الحشمة بالكرم، وإذا كان كذلك فلا تأنفوا أيها الفقراء من نكاح الإماء ولا تشمخوا عليهن بحريتكم، ولا تلتفتوا إلى أقوال الجاهلين الذين ينتقدون ذلك ويسمون ابن الأمة الهجين، ومعناه في الأصل اللئيم ومن أبوه خير من أمه، ويطلق على العربي المولود من الجارية، وعلى كل حال فالإحصان بالجارية فيه قمع الشهوة التي ربما توقعه فيما لا يرضي اللّه، فهو خير له أن يصون دينه ونفسه.
{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أسيادهن، فلا ينعقد النكاح بين الامة وزوجها إلا بإذن مولاها كبيرة كانت أو صغيرة لورود النص، أخرج أبو داود والترمذي من حديث جابر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر، ولا يقاس على الطلاق لأنه إزالة عيب عن نفسه فيملكه، بخلاف النكاح، أما الحرّة فقد وقع اختلاف بين العلماء في حق الكبيرة فقط هل تحتاج لإذن وليها أم لا، أما الصغيرة فلابد من إذنه، والعمل الآن على اعتبار الإذن كبيرة كانت أو صغيرة إلا إذا كان بقصد الفصل فلا، لأن للولي حق الامتناع عن الموافقة إذا تزوجت بدون مهر المثل أو بغير كفء، أما إذا كان بمهر المثل وكان الزوج كفؤا فليس له منعها، وعند ذلك تزوج نفسها وافق أم أبى، ولا نص في القرآن على لزوم الإذن من الولي في زواج الحرة، وإن إدخالها في حكم هذه الآية تغافل أو تسامح لأن البحث منحصر في الإماء لا علاقة له في الحرائر، راجع الآية 49 من سورة الأحزاب المارة {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} مهورهن مما أنفقتم عليه {بِالْمَعْرُوفِ}.
من غير مطل ولا نقص عن المسمى ولا تبديل نوعه وعن طيب نفس ورضى واختيار ولسيدها قبض مهرها وأخذه، لأن العبد وما ملكت يداه لسيده، والمهر من ملك يدها، وهؤلاء الإماء ينبغي أن يكنّ عفيفات كما وصفهن اللّه بقوله: {مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ} زانيات مجاهرات {وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ} أصحاب لشهوتهن يمتعن بهم خاصة لأن المسافحة المسبلة نفسها لكل أحد، والخدن التي تختص بواحد يزني بها فقط، وكانت الجاهلية تحرم نكاح الأولى وتجيز الثانية، فأخبرهما اللّه بان نكاح كل منهما حرام، وهاتان الخصلتان القبيحتان من آثار الجاهلية لها بقية كثيرة حتى الآن، ولا حول ولا قوة إلا باللّه {فَإِذا أُحْصِنَّ} بالتزويج {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ} أي زنين {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ} الحرات إذا زنين {مِنَ الْعَذابِ} الذي يترتب عليهن، وهكذا التي لم تحصن، لأن التزويج ليس بشرط لإجراء الخدّ، والمراد منه التنبيه على أن المملوك ولو كان محصنا فلا يرجم، وهذا هو الطريق الذي وعد اللّه به في الآية 15 المارة والذي سنوضحه في سورة التحريم الآتية إن شاء اللّه، ويفهم من هذه الآية أن الأمة إذا زنت قبل التزويج فلا حدّ عليها، وأنها بعده لا ترجم لان الحد لا ينصف، وقد استدل من أوجب الحد على الأمة بالزنى قبل التزويج بما روى عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليحدها الحد ولا يثرب عليها أي لا يعيرها ثم إن زنت فليحدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر».- أخرجاه في الصحيحين- لأنها اعتادته ولم يبق أمل بتوبتها توبة نصوحا منه، وعليها الحد كلما عادت.
وعليه فيصرف معنى الآية على عدم رجمهن إذا زنين، ويراد بالعذاب الحد، وإنها تستحق نصف الجلد المترتب على الحرة البكر لا الحد الذي يترتب على الحرة الثيب، لأنه الرجم، وهو لا ينصف كما مر، وما قبل إن الإحصان هنا يراد به الإسلام ينافيه السباق، والسياق، لهذا فإن من استدل بحدها على تفسير الإحصان بالإسلام، فقد بعد عن المرام {ذلِكَ} نكاح الإماء لعدم الطول مطلوب {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} أي الزنى على نفسه {مِنْكُمْ} أيها المؤمنون {وَأَنْ تَصْبِرُوا} عن زواجهن وتقدروا على قمع شهوتكم فهو {خَيْرٌ لَكُمْ} كي لا يكون ابنكم رقيقا لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية، وأباه في الدين، قال:
يتبع الفرع بانتساب أباه ** والأم في الرق والحرّية

والزكاة الأخف والدين الا على ** والذي اشتد في جزاء ودية

وأحسن الأصلين ذبحا ورجسا ** ونكاحا والأكل والأضحية

هذا وإن الغيور لا يقدر أن يتحمل الإماء لأنهن مبتذلات مهانات غير حافظات لأنفسهن على الغالب، لذلك يأبى زواجهن ذو المروءة وأصحاب الشهامة، وإذا كانت نفس الأبي تأبى فليصبر على نفسه لوقت الاستطاعة على نكاح الحرّة.
إذا لم تستطع أمرا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع

وقال الآخر في ذلك:
إذا لم يكن في منزل المرء حرة ** تدبره ضاعت مصالح داره

وقال الآخر:
ومن لم تكن في بيته قهرمانية ** فذلك بيت لا أبا لك ضائع

لذلك فإن التعفف عنهن أولى والتباعد عن ضمهن أحرى {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لمن لم يصبر عن نكاحهن إذا تزوجهن خشية العنت {رَحِيمٌ (25)} بإباحة ما تشتد إليه حاجة عباده ترمي هذه الجملة للتنفير عن نكاح الإماء بحيث كأنه ذنب.